أخذ موضوع اليوم الثالث للانتخابات أكبر من حجمه، والظاهر أن إدمان هواية تضخيم الأحداث ومحاولة صنع شىء من لا شىء أصبح هواية إعلامية مسيطرة ومزاجاً شعبياً مكتسحاً ومعدياً، وكذلك موضوع أن الشعب لازم ولا بد أن يحقق أربعين مليون صوت وإلا رسب فى الامتحان الانتخابى ودون ملحق، كان أيضاً من قبيل التشنج والمبالغة، من حق الإعلام والناس التمنى، ولكن ليس من حق أحد اللطم وشق الجيوب إذا لم تتحقق تلك النسبة، وكأن الشعب المصرى طيلة حياته يذهب عن بكرة أبيه إلى اللجان، نعم حدث تطور لا بد أن نعترف ونحتفى به، ولكن علينا أن نشجع على الذهاب إلى مواقع الإنتاج والعمل بنفس الحماس الذى شجعنا به على الذهاب إلى لجان الانتخاب، فهذا هو الدور القادم والحاسم والأهم الآن، علينا إغلاق هذه الصفحة والنظر إلى القادم، لم يعد الإعلام «مقاول أنفار» عليه حشد الناس، ولكن دوره القادم والأساسى هو شحذ الهمم للعمل والتفكير العلمى، ووصلتنى رسالة فى هذا الاتجاه من د. يحيى طراف، أستاذ جراحة العظام، يحلل الأمر من زاوية جديدة ويقول فيها: لم يكن هناك من داعٍ لتمديد فترة الانتخابات يوماً ثالثاً؛ فالحضور يومى الانتخابات كان أكثر من كافٍ، كما أن اليوم الثالث لم يحدث فرقاً محسوساً فى أعداد الناخبين، وذلك بشهادة المراقبين الدوليين الذين كانوا فى اللجان. لم يكن هناك من مبرر لذلك الإحباط الذى أصاب البعض من عدم بلوغ الأربعين أو الثلاثين مليون ناخب، التى تطلعوا إليها؛ لأن الشعب المصرى أدرك بفطرته وبحس الخبير أنه لم يكن هناك من داعٍ لذلك، فنزل منه العدد الكافى الذى حسم المعركة، وسجل به فى نفس الوقت نسبة الحضور المشرفة، لو أننا أخذنا فى الاعتبار أنه لم يكن هناك حشد ولا رشاوى ولا زيت ولا سكر، فعشرة مواطنين ممن نزلوا بعشرين أو أكثر. ولو كان الشعب قد استشعر حاجةً إلى الزحف الجماعى على الصناديق، أو استشعر خطراً على مرشحه، لنزل عن بكرة أبيه زرافات ووحداناً، كما صنع قبلاً، ولحطم حاجز الثلاثين، بل والأربعين مليوناً. لكن لم يكن من ضرورة تستدعى ذلك؛ فالجيش الذى يستطيع أن ينجز مهمة ما بكتيبة واحدة أو اثنتين، لا يرسل لها لواءً، وقد أدرك الشعب ذلك. وقديماً قال معاوية بن أبى سفيان، وهو من أحكم العرب: أنا لا أجعل سيفى حيث يكفينى سوطى، ولا أجعل سوطى حيث يكفينى لسانى. كما أن شرعية النظام الجديد كانت قد توثقت يوم الاستفتاء على الدستور، فلماذا كانت الحاجة إذن لاستعراض جماهيرى آخر؟! لم يكن من داعٍ لتحميل عملية الانتخاب بين خصمين غير متكافئين، لم يبلغ أحدهما مد الآخر ولا نصيفه، أكثر مما تحتمل؛ والتطلع إلى أرقام فوق ما يستدعيها الموقف. التصويت فى الانتخابات كان فرض كفاية كما رآه الشعب، فأناب عنه فريقاً أدى المهمة، ولم يكن من داعٍ لاعتباره فرض عين، كان على جميع المؤيدين أن يتوجهوا للصناديق، بغض النظر عن حاجة الموقف لذلك أم لا.